الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
والألف لم تحذف فوقع الإشكال بسبب ذلك.وأجيب عنه من ثلاثة أوجه:الأول أن {وَلاَ تخشى} متسأنف خبر مبتدأ محذوف، تقديره: وأنت لا تخشى، أي ومن شأنك أنك آمن لا تخشى.والثاني أن الفعل مجزوم، والألف ليست هي الألف التي في موضع لام الكلمة، ولكنها زيدت للاطلاق من أجل الفاصلة، كقوله: {فَأَضَلُّونَا السبيلا} [الأحزاب: 67]، وقوله: {وَتَظُنُّونَ بالله الظنونا} [الأحزاب: 10].والثالث أن إشباع الحركة بحرف مد يناسبها أسلوب معروف من أساليب اللغة العربية، كقول عبد يغوث بن وقاص الحارثي: وقول الراجز: وقول الآخر: وقول عنترة في معلقته: فالأصل في البيت الأول: كأن لم تر، ولكن الفتحة أشبعت. والأصل في الثاني ولا ترضها، ولكن الفتحة أشبعت. والأصل في الثالث على الكلكال يعني الصدر، ولكن الفتحة أشبعت. والأصل في الرابع ينبع يعني أن العرق ينبع من عظم الذفرى من ناقته على التحقيق، ولكن الفتحة أشبعت، وإشباع الفتحة بألف في هذه الأبيات وأمثالها مما لم نذكره ليس لضرورة للشعر لتصريح علماء العربية بأنه أسلوب عربي معروف. ويؤيد ذلك أنه مسموع في النثر، كقولهم في النثر: كلكال، وخاتام، وداناق، يعنون كلكلًا، وخاتمًا، ودانقًا. وقد أوضحنا هذه المسألة، وأكثرنا من شواهدها العربية في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب في سورة البلد في الكلام على قوله: {لاَ أُقْسِمُ بهذا البلد} [البلد: 1] مع قوله: {وهذا البلد الأمين} [التين: 3] وقال الزمخشري في تفسير هذه الآية {فاضرب لَهُمْ طَرِيقًا}: فاجعل لهم طريقًا، من قولهم: ضرب له في ماله سهمًا، وضرب اللبن عمله. اهـ.والتحقيق أن {يَبَسًا} صفة مشبهة جاءت على فعل بفتحتين كبطل وحسن. وقال الزمخشري: اليبس مصدر وصف به. يقال: يبس يبسًا ويبسًا، ونحوهما العدم والعدم، ومن ثم وصف به المؤنث فقيل: شاتنا يبس، وناقتنا يبس. إذا جف لبنها.وقوله: {لاَّ تَخَافُ دَرَكًا} الدرك: اسم مصدر بمعنى الإدراك، أي لا يدركك فرعون وجنوده، ولا يلحقونك من ورائك، ولا تخشى من البحر أمامك. وعلى قراءة الجمهور {لاَّ تَخَافُ} فالجملة حال من الضمير في قوله: {فاضرب} أي فاضرب لهم طريقًا في حال كونك غير خائف دركًا ولا خاش. وقد تقرر في علم النحو أن الفعل المضارع المنفي بلا إذا كانت جملته حالية وجب الربط فيها بالضمير وامتنع بالواو. كقوله هنا: {فاضرب لَهُمْ طَرِيقًا} أي في حال كونك لا تخاف دركًا، وقوله: {مَالِيَ لاَ أَرَى الهدهد} [النمل: 20] وقوله: {وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بالله} [المائدة: 84] ونظير ذلك من كلام العرب قول الشاعر: يعني دخلتها في حال كوني غير محجوب، وبذلك تعلم أن قوله في الخلاصة: في مفهومه تفصيل كما هو معلوم في علم النحو.{فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78)}.التحقيق أن أتبع واتبع بمعنى واحد. فقوله: ف {أَتْبَعَهُمْ} أي اتبعهم، ونظيره قوله تعالى: {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} [الصافات: 10]، وقوله: ف {فََأَتْبَعَهُ الشيطان} [الأعراف: 175] الآية. والمعنى: أن موسى لما أسرى ببني إسرائيل ليلًا أتبعهم فرعون وجنوده {فَغَشِيَهُمْ مِّنَ اليم} أي البحر {مَا غَشِيَهُمْ} أي أغرق الله فرعون وجنوده في البحر فهلكوا عن آخرهم. وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أن فرعون أتبع بني إسرائيل هو وجنوده، وأن الله أغرقهم في البحر أوضحه في غير هذا الموضع. وقد بين تعالى أنهم اتبعوهم في أول النهار عند إشراق الشمس، فمن الآيات الدالة على اتباعه لهم قوله تعالى في الشعراء: {وَأَوْحَيْنَآ إلى موسى أَنْ أَسْرِ بعبادي إِنَّكُم مّتَّبِعُونَ} يعني سيتبعكم فرعون وجنوده. ثم بين كيفية اتباعه لهم فقال: {فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِي المدآئن حَاشِرِينَ إِنَّ هؤلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بني إِسْرَائِيلَ فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ فَلَمَّا تَرَاءَى الجمعان قَالَ أَصْحَابُ موسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 53-62] وقوله في هذه الآية: {فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ} أي أول النهار عند إشراق الشمس. ومن الآيات الدالة على ذلك أيضًا قوله تعالى في يونس: {وَجَاوَزْنَا ببني إِسْرَائِيلَ البحر فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا} [يونس: 90]، وقوله في الدخان: {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ} [الدخان: 23] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على اتباعه لهم. وأما غرقه هو وجميع قومه المشار إليه قوله هنا: {فَغَشِيَهُمْ مِّنَ اليم مَا غَشِيَهُمْ} فقد أوضحه تعالى في مواضع متعددة من كتابه العزيز. كقوله في الشعراء: {فَأَوْحَيْنَآ إلى موسى أَنِ اضرب بِّعَصَاكَ البحر فانفلق فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كالطود العظيم وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخرين وَأَنجَيْنَا موسى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخرين إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ} [الشعراء: 63-67] الآية، وقوله في الأعراف: {فانتقمنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي اليم} [الأعراف: 136] الآية، وقوله في الزخرف: {فَلَمَّآ آسَفُونَا انتقمنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} [الزخرف: 55]، وقوله في البقرة: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ البحر فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ} [البقرة: 50]، وقوله في يونس: {حتى إِذَآ أَدْرَكَهُ الغرق قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إله إِلاَّ الذي آمَنَتْ بِهِ بنوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ المسلمين} [يونس: 90]، وقوله في الدخان: {واترك البحر رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ} [الدخان: 24] إلى غير ذلك من الآيات. والتعبير بالاسم المبهم الذي هو الموصول في قوله: {فَغَشِيَهُمْ مِّنَ اليم مَا غَشِيَهُمْ} يدل على تعظيم الأمر وتفخيم شأنه، ونظيره في القرآن قوله: {إِذْ يغشى السدرة مَا يغشى} [النجم: 16]، وقوله: {والمؤتفكة أهوى} [النجم: 53] {فَغَشَّاهَا مَا غشى} [النجم: 54]، وقوله: {فأوحى إلى عَبْدِهِ مَآ أوحى} [النجم: 10]. واليم: البحر. والمعنى: فأصابهم من البحر ما أصابهم وهو الغرق والهلاك المستأصل.{وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (79)} يعني أن فرعون أضل قومه عن طريق الحق وما هداهم إليها. وهذه الآية الكريمة بين الله فيها كذب فرعون في قوله: {قَالَ فِرْعَوْنُ مَآ أُرِيكُمْ إِلاَّ مَآ أرى وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرشاد} [غافر: 29] ومن الآيات الموضحة لذلك قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فاتبعوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القيامة فَأَوْرَدَهُمُ النار وَبِئْسَ الورد المورود} [هود: 96-98] والنكتة البلاغية في حذف المفعول في قوله: {وَمَا هدى} ولم يقل وما هداهم، هي مراعاة فواصل الآيات، ونظيره في القرآن قوله تعالى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قلى} [الضحى: 3]. اهـ.
من قوله: وفي الكشاف: إن نكتة ذكر {وما هدى} التهكم بفرعون في قوله: {وما أهديكم إلا سبيل الرشاد} اهـ.يعني أن في قوله: {وما هدى} تلميحًا إلى قصة قوله المحكي في سورة غافر (29): {قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد} وما في هذه من قوله: {بطريقتكم المثلى} [طه: 63]، أي هي هَدْي، فيكون من التلميح إلى لفظ وقع في قصة مفضيًا إلى التلميح إلى القصة كما في قول مُهلهل: يشير إلى قول كُليب له على وجه الملامة: أنتَ زِير نساء. اهـ.
|